"التاريخ هو تاريخ والضحايا هم ضحايا"، هكذا بهذه العبارة الغامضة اجتنب رئيس الوزراء البلغاري بويكو بوريسوف وصف "الإبادة الجماعية"، عدة دقائق قبل أن اعترف البرلمان البلغاري بأن مجزرة الأرمن في الإمبراطورية العثمانية والتي جرت في الفترة بين 1915-1922 "إبادة جماعية" وأن 24 آب هو يوم لإحياء ذكرى الضحايا الذين سقطوا خلالها.
ما حدث في هذا التاريخ – 24 آب، 1915؟
بدأت المأساة الحقيقية في اسطنبول، عشية عيد الفصح، عندما أطلقت جمعية "الاتحاد والترقي" تنفيذ خطتهم لإبادة جماعية للأرمن في إطار الدولة العثمانية. ولكن لماذا وبأي هدف؟ تعود أسباب ذلك إلى فترة حكم السلطان عبد الحميد الثاني عندما بدأت الأرمن رفع أصواتهم لتخصيص لهم منطقة ذات حكم ذاتي داخل الإمبراطورية العثمانية. إلا أن مؤتمر برلين كان مخيب لآمالهم بل مساعيهم إلى الحرية وقدر لهم الملاحة الشاملة من طرف السلطات ومحاولات لإبادتهم الجماعية المنتظمة وذلك من بعد إجبار النمسا وألمانيا وبريطانيا لروسيا على انسحاب قواتها من الأراضي المأهولة من الأرمن في إطار الإمبراطورية العثمانية. وحال انسحابها تلقى الأرمن اتهامات حركة تركيا الفتاة بدعمهم العدو اللدود للإمبراطورية – روسيا وكان لا بد من معاقبتها بسبب ذلك. علاوة على ذلك كانوا كذلك العائقة الأساسية لتحقيق الخطة بشأن إنشاء إمبراطورية تركية عظمى من بوسعها توحيد كل الشعوب التركية، بدءا من أراضي القوقاز ومرا على آسيا الوسطى ووصولا إلى الأراضي الصينية. وبسبب ذلك ولا غيره من الأسباب أقدم حركة تركيا الفتاة على تنفيذ خططتها لإبادة الأرمن، حيث أن الخطوة الأولى في سبيل ذلك كانت توقع محرقة نخبة الأمة ومدى عدة أشهر فحسب سقط الآلاف من الأطباء والمثقفين والصحافيين والقادة الكنسيين والمدنيين للشعب الأرمني ضحايا لتلك النوايا الوحشية. وفي فترة لاحقة بقليل تم تجريد حوالي 60 ألف أرمني مجند في الجيش التركي من أسلحتهم وتم إعدامهم. وذلك عقبه العدد الهائل من المجازر والترحيل للسكان الأرمني الأبرياء، المكونين في غالبيتهم من المسنين والشيوخ والنساء والأطفال في كل أرجاء البلاد. الترحيل والأوامر بالإبادة والإعدام ومعسكرات الاعتقال ك كان كل ذلك مخططا ومنظما جيدا. وفي المناسبة صرح طلعت باشا نفسه، وهو كان أحد المحرضين على الإبادة الجماعية، أمام السفير الأملريكي آنذاك هنري مورغنتاون بأن "الترحيل أتى نتيجة لخطط تم التفكير المتعمق فيها". وفي سبيل تحقيق النوايا الوحشية لحركة تركيا الفتاة اندرج في الفصائل المنفذة للإبادة مجرمون حُكم عليهم بسجن الحياة ومرتزقة أكراد وباشبوزق (عساكر غير نظاميين في الجيش العثماني)، حيث كان غرض ذلك هروب السلطات الرسمية – حركة تركيا الفتاة من المسؤولية. حسب المصادر تم إبادة ما نحو مليون ونصف شخص (وكان عدد السكان الأرمني المجمل حوالي 3 ملايين شخص). وكان هناك من نجي من المطاردين إلى الأراضي السورية وبعض آخر منهم وجدوا مفرا في السفن البريطانية والفرنسية.
جاء إلى بلغاريا حوالي 30 ألف منهم ورغم أن الحكومة التركية أرسلة مرتين مذكرات ضد استقبالنا إياهم إلا أن السلطات البلغارية لم تتأثر بالاستفزاز ولكن على العكس، فقد أصدر الملك فردناند مرسوما ملكيا خاصا لاستقبال اللاجئين الأرمن وقام المجتمع البلغاري بكل ما بوسعه لاندماجهم وساعد بناء مدارس وكنائس خاصة لهم وأنشأ ظروفا ملائمة لمعيشهم. تلك الفترة كانت ذكريات البلغار إزاء النير العثماني ما زال قائما ولذا كان التعاطف مع ضحايا الملاحقة الشاملة عبارة عن تعاطف حقيقي. ولكن للأسف اليوم لم يسمع 61 % من البلغار عن الإبادة الجماعية ومع أن أحفاد اللاجئين في البلاد يعترفون بأن بلغاريا كانت مخلصة ومنجية لهم. وكل ذلك لأن جزء من العالم لم يعترف ولا يزال صامتا بشأن ذكرى الضحايا.
أما الحقائق عن الأحداث الوحشية التي غيّرت وعي عدة أجيال من الأرمن فإنها مقنعة بالكفاية. وفقط في الأرشيف الحكومي للولايات المتحدة تُحفظ حوالي 4000 شهادة لموظفين لوزارة الخارجية الأمريكية حيث أن وصفاتهم المحايدة للأحداث الدموية تؤكد بعضها على البعض وتكشف عن خطة حركة تركيا الفتاة. وفي هذا السياق وصف تيودور روزفيلت خلال الحرب العالمية الأولى، "مجزرة الأرمن" بـ"أكبر جريمة من جرائم الحرب وعدم اتخاذ عقوبات ضد تركيا بـ"عفوها". كما وكان موقف كل من فرنسا وروسيا وبريطانيا والذي تم التعبير عنه في بيان مشترك في ربيع 1915، صريحا، غير مبهم، ووصفت هذه الثلاث العنف على الشعب الأرمني بأنه "جريمة ضد البشرية والحضارة كلها" والمسؤولية الكاملة تعود إلى الحكومة التركية.
وفي فترة لاحقة وبعد مضي قرن منذ وقوع تلك المأساة تم تغطيتها بصفات وعبارات ملطفة ويبدو وكأن زعماء بلغاريا والولايات المتحد ينسون ذلك كل مرة عندما يجري الحديث عن القضية الأرمنية. أما أنقرة ورغم محاولاتها الخجولة لتقديم التعازي للضحايا، تجتهد في إعادة المجازر الدموية إلى تداعيات الحرب العالمية الأولى. من جهة أخرى جدير بالتصديق والشرف هو شجاعة بعض المؤرخين التركيين أن يقولوا الحق كما هو فيعترفوا بالإبادة الجماعية. مثل لهذا هو المبدع التركي المشهور أورخان باموق الذي أكد جهرا على "إعدام لما حوالي مليون ونصف من الأرمن في الإمبراطورية العثمانية. وقبل سبعة أعوام وقع حوالي 200 مثقف تركي على عريضة اعتذروا بها عن "الكارثة الكبيرة التي تعرض لها الشعب الأرمني". ودعم حوالي 29 ألف شخص آخر هذه العريضة في فترة لاحقة. ورغم جهود الدولة التركية في سبيل الحد من عدد البلدان الواصفة لما حدث للأرمن في تركيا بأنه "إبادة جماعية"، إلا أنه يزداد عدد البلدان التي تقر على بيانات بشأن إدانته.
وفيما يخص بلغاريا، فقد أجل البرلمان مدى سنوات طويلة التوقيع على مثل هذا البيان. وأخيرا وصف الجمعية الوطنية الـ43 وبعد "تعديلات خفيفة" ومناقشات طويلة بـ157 صوتا مؤكدا و37 صوتا مناهضا، المجازر الدموية بـ"إبادة جماعية"، مما هو نوع من الاعتراف بما حدث، ولعل الساسة وتحت ضغط الحقائق أن يعيدوا ذاكرتهم كاملةً.
كما المشاورات السياسية، التي عقدها رئيس الجمهورية بشكل منفصل مع القوى البرلمانية في اتصال مع استقالة الحكومة، حددت جلسة أمس للمجلس الاستشاري للأمن الوطني أيضا فرضيات فقط، ولكن لا حل ملموس للأزمة السياسية. حتى يتم التوصل إلى قرار بعد تنفيذ الإجراء..
بعد المشاورات السياسية التي عقدها الرئيس مع القوى البرلمانية قبل الشروع في التزامه الدستوري لولايات جائزة لتشكيل الحكومة في إطار هذا البرلمان، والتوقعات لتشكيل حكومة جديدة في تكوين البرلمان الحالي وهمية. فقد وقف ضد الإعلان عن تشكيل هذه الحكومة ليس فقط..
ذكّرت زيارة عمل الرئيس المقدوني غورغي إيفانوف في بلغاريا في هذه الأيام بالعلاقات الوثيقة بين البلدين ولكن أيضا بالمشاكل بينهما. أكاديمية العلوم البلغارية كرمت الضيف بلقب "دكتوراه فخرية" لمساهماته في العلوم القانونية والتعليم والثقافة والحياة العامة...