استغرقت المناقشات والمباحثات والاقتراحات والانتقادات الدائرة حول الأركان والمقومات الأساسية لإصلاح النظام التقاعدي الملح والذي تخطط لإجرائه الحكومة الجديدة.  وقد انتهى الأمر نهاية سعيدة لحد الآن فقد تلقت التغييرات الأساسية أمس موافقة الشركاء الاجتماعيين من قطاع الأعمال والنقابات والحكومة الأمر الذي يعتبر إشارة إيجابية جدا وإثباتا على أن من شأن إجراء الحوار في مجال المسائل التي تهم حياة البلغاري التوصل إلى نتائج ملموسة ويعد دليلا على وجود الحوار بين الناخبين والمنتخبين وعلى أن المجتمع البلغاري بلغ نضجه الذي يمكنه من قبول حتى الإصلاحات المؤلمة التي سيتوجب على عامة الناس دفع ثمنها.  ومن هذا المنظور يوحي الاتفاق بشأن موضوع إصلاحات التقاعد بالتفاؤل في أن باقي القطاعات التي تعاني من مشاكل عديدة وتثير استياء المجتمع كاملا سيكون بالإمكان تطويرها ما دامت هناك إرادة سياسية ومساندة اجتماعية.

ومما يدل على الحاجة الماسة إلى إجراء الإصلاحات في النظام التقاعدي عدة حقائق وأرقام فمتوسط المعاش البلغاري يقدر بقرابة مئة وسبعين يورو بينما يصل الحد الأدنى إلى سبعين يورو في الشهر مما لا يعتبر مبلغا صالحا للعيش الكريم. وأما شركات التأمين التقاعدي الخاصة التي تعمل في البلاد منذ حوالي عقد من الزمن لم توفر الأموال الكافية ولم يصل عملاؤها سن التقاعد بعد حتى يشعروا بجدوى المعاش التقاعدي الإلزامي الثاني الأمر الذي يجعل من معهد التأمين الوطني مصدر الدخل الأساسي للمتقاعدين البلغار. وهو الذي يؤدي رواتب تقاعد تقدر بما يزيد عن أربعة مليارات يورو سنويا ولا يعود إلا 48 في المئة منها إلى التأمينات التقاعدية ويأتي النسبة الباقية من الدعم الحكومي. ومن البديهي أن هذا الوضع ليس طبيعيا على الإطلاق فمثل هذا النقص في ميزانية المعهد التأميني غير مقبول بالمرة. لذا يعتبر القراران اللذان تم اتخاذهما أمس متعلقين بحجم أقساط التأمين التقاعدي والمدة التي يتم فيها تسديدها وكل ذلك في سبيل زيادة الرواتب التقاعدية بنسبة أربعين في المئة في المستقبل القريب. أي بالأحرى تعاقد الشركاء البلغار في المجال الاجتماعي على زيادة أقساط التقاعد للمشمولين ببالتأمين الاجتماعي والتسوية التدريجية بين سني تقاعد الرجال والنساء حتى الوصول إلى 65 عاما وذلك باستثناء بعض المهن التي سيتم تحديدها قريبا.  والمهم في الأمر هو الإطار الواضح للإصلاحات فكما يقول رئيس الوزراء البلغاري في أعقاب عقد اجتماع غير مسبوق بين رجال الأعمال والنقابيين: "لا ندعي بأن إصلاح التقاعد من صنع الحزب الحاكم وأتمنى أن يلقى المساندة في البرلمان".  وبالفعل يتعين إضفاء الصورة القانونية على الإصلاحات التقاعدية ومن ثم إقرارها في البرلمان ومع ذلك يبدو الخبراء متفائلين إذ يعقدون بأنه تم إنجاز النصف الأهم من العمل في هذا المجال.