هل تهدم بسهولة بيتا كلفك بناؤه هموما وغموما جمة ووظفت فيه كل مودتك ومحبتك؟ وكيف تترك مسقط رأسك إلى الأبد؟ ومن الذي يقدر على إعادة إيمانك المفقود وأيام طفولتك الجميلة وبراءتها؟ هذا ما اضطر إليه ألوف البلغار في فترة أواسط القرن الماضي التي أصيبت فيها بلغاريا الواقعة تحت سلطة النظام الشيوعي بهوس إنشاء المباني وأما السبب فيعود إلى تهجير مناطق بأكملها بهدف بناء سدود مع محطات لتوليد الكهرباء عندها بحيث يدفع عجلة الاقتصاد المخطط المعمول به في الدولة الاشتراكية. ولم يخطر لأحد على بال مصير ألوف الناس الذين فقدوا منازلهم ووقعت القطيعة مع عائلاتهم وكسرت قلوبهم جراء هذه العملية... فأولاد وأحفاد أولئك لا يزالون عاجزين عن نسيان ما وقع على أجدادهم ومنظر أراضيه الغارقة في المياه يأتيهم في المنام. ومنهم أنسال قرية زابالنيا التي ترقد أنقاضها تحت مياه سد جريبتشيفو.
ويبدو وكأن تلك القرية الواقعة في وادي الورود قرب سفوح جبل البلقان ملعونة منذ القرن الخامس عشر فقد جرفتها مياه نهر تونجا حين وقوع فيضان غير متوقع مما أودى بحياة عدد كبير من أهاليها. أما من بقوا على قيد الحياة فأسسوا قرية جديدة وسموها بالكلمة التركية أزابلو (أي عذاب) ثم تحولت التسمية إلى زابالنيا والتي تعتبر أقرب إلى النطق البلغاري. وكانت حياة أهل القرية الجديدة مليئة بالصعوبات فكانوا يبذلون الجهد الجهيد في سبيل الارتزاق فوهبهم الله أرضا خصبة تنبت المحاصيل الوفيرة فقد كانت تقع في تلك المنطقة أيام الشيوعية أكبر الحقول المزروعة بورد الجوري في بلغاريا. وبنيت في القرية مدرسة ومكتبة وكنيسة في غاية الجمال يحدثنا عنها السيد ميتكو دينتشيف قائلا: "أرى الكنيسة في ذكرياتي كقصر هائل جميل من الحكايات فقد كانت أكبر أبنية المنطقة وكثيرا ما ذهبت بي جدتي إلى هناك فحالما عبرت بابها شعرت بالدهشة والهيبة والعجب من الرونق العديم المثال." وكان اسم الكنيسة "القديس إيفان ريلسكي" التي لم يبق منها سوى السور الحجري الذي يتراءى في مياه السد شبحا لسفينة وصلتنا من الماضي. ففي أواسط القرن المنصرم استعد القدر لإيقاع ضربته القاتلة على القرية الجميلة وأهاليها الأبرياء فقد وصلها أمر رسمي من صوفيا بتهجير السكان بسبب إنشاء السد المزمع تنفيذه فقلق الناس وخشوا من فكرة هجرة قريتهم الحلوة إلى المجهول بحثا عن حظهم. وكان ميتكو وقتها قد بلغ السابعة من عمره فيقول عن الفترة: "أمهلونا بأقل من سنة" مضيفا:
"كان علينا ترك القرية وأخذ كل ما بوسعنا في غضون هذه المدة القصيرة. وقد أثار الأمر قلق الناس. وسمحت لهم السلطات بهدم بيوتهم واستخدام الطوب والقرميد وباقي مواد البناء لإنشاء منازلهم الجديدة. ووهجر الكثير من أهالي قريتنا إلى مدينتي تفارديتسا وكازانلاك وإلى القرى المجاورة. ووعدت الدولة بتقديم التعويضات المالية ولكن المبالغ كانت أقل بكثير من حجم الخسائر."
ودمر السكان البيوت والمدرسة التي درس فيها ميتكو الصف الأول الابتدائي والمكتبة وغيرها من المباني وحملوا كل أغراضهم على العربات فانطلقوا هاجرين بيتهم. ولكن الكنيسة لا أحد حاول هدمها فقد كانت أهالي القرية متدينين ويذهبون إليها كل أحد حتى في ظل النظام الشيوعي. ولكن الرب لم يسمع صلواتهم فقد بدأت السيول العكرة تغمر بقايا القرية ربيع عام 1965 فتجمع أناس في مرتفعات القرية مودعين مسقط رؤوسهم يحدثنا ميتكو عن ذلك الموقف:
"كانت القرية أشبه بأراض عقب القصف الجوي فراقبت المجموعة الفيضان الغامر قريتهم تسيل من عيونهم الدموع السخينة وهم يقولون: "هناك مان بيتنا، هناك كان حقلنا وما عاد هناك فقد غمره الماء والنتهى الأمر."
من بين تماثيل الثقافة ذات الاهمية الوطنية في مدينة بانسكو بيت "فيليانوفاتا كاشتا"، والذي يتعلق تاريخها ببلغاريين مشهورين، الا وهما إيفان حاجيراكونوف وفيليان أوغنيف، وهو الأول كان من بين أغنى تجار القطن في هذه المنطقة، أما ثانيهما فكان رسام جداريات..
على الرغم أن بانسكو بلدة صغيرة، إلا أنها ساهمت مساهمة ملحوظة في تقدم الثقافة البلغارية، وما زالت الشوارع المبلطة بالحجر والبيوت الهرمة اليوم تحكي عن بداهة أهل البلدة القدامى وحبهم للوطن، وكذلك عن حسيتهم إزاء الجميل. "إن كنا نتحدث عن نشوء بانسكو..
ربما بعضكم سمعتم من قبل عن شارع في صوفيا سُمي على هذا الشخص. وربما بعض آخر منكم كنتم في استاد مدينة سيليسترا أو المدرسة في روسيه واللذين سُميا عليه كذلك. فقد وصل السويسري لوي آيير في 1894 إلى صوفيا بطلب وزير التعليم البلغاري آنذاك من أجل وضع أسس..