بعد بضعة أيام على توقيع اتفاقية الاتحاد الأوروبي مع تركيا للسيطرة على أزمة الهجرة وعلى إلقاء القبض على أكثر إرهابي تطلبه أوروبا، وقعت انفجارات دموية في العاصمة البلجيكية لتتابع سلسلة العمليات الإرهابية المرعبة التي تشهدها القارة العجوز، مما أدى إلى تشديد الإجراءات الأمنية. ولم تستثن من ذلك بلغاريا فقد شددت الحراسة في المواقع الاستراتيجية والأماكن العامة الأكثر زيارة، رغم أن هيئة الأركان الأمنية الوطنية أفادت بغياب تهديد إرهابي ملموس للبلاد حاليا. كما أنه بدأت إعادة النظر في خطط الدفاع.
ففي الليلة التي أعقبت هجمات بروكسيل، أجريت تدريبات في مترو أنفاق صوفيا شاركت فيها قوات أجنبية وممثلون للجيش ووزارة الداخلية وذلك لهدف التدرب على الإجراءات والأفعال الملائمة في حال وقوع عملية إرهابية. إلا أن التدريبات كانت مخططا لها منذ أشهر عدة، حيث أكد مجلس بلدية العاصمة أن مثل هذه الإجراءات طبقت خلال الأسبوعين الماضيين، أما اليومان السابقان لهجمات بروكسيل فشهدا تدريبات ومناورات لإتلاف رزم مهجورة في الأماكن العامة. وعلى ذلك كله فيمكن اعتبار الأعمال التي وليت انفجارات العاصمة البلجيكية مظهرا من مظاهر سياسة متبعة في الأمن القومي، بالتركيز الخاص على تشديد المراقبة على وصول الأجانب إلى الأراضي البلغارية.
فقد أفاد ممثلون رسميون عن السلطة البلغارية بأن مخاوف إعادة توجيه تدفق اللاجئين إلى البلاد، أدت إلى تحديد مواقع معينة لإنشاء مخيمات ومراكز توزيع للاجئين، فضلا عن انتشار أكبر لقوات شرطة الحدود والدرك والجيش، حيث إنه تم تعزيز حرس الحدود الجنوبية بنحو 200 موظف من شرطة الحدود، انتشر 112 منهم على الحدود التركية (وهي حدود خارجية للاتحاد الأوروبي)، و66 منهم على الحدود اليونانية (وهي حدود داخلية بالنسبة للاتحاد الأوروبي). فإن أصبحت بلغاريا مقصدا لتدفقات هائلة من المهاجرين، فستطلب من الاتحاد الأوروبي دعما شبيها بما يقدمه لليونان، فضلا عن ضم حلف الأطلسي إلى العمليات الهادفة إلى تشديد حراسة الحدود البرية لدول جنوب شرق أوروبا.
هذا وقد نُشر قبل انفجارات بروكسيل مشروع لتعديل قانون الأجانب، بحيث يحد من وصول الأجانب القادمين من خارج الاتحاد الأوروبي إلى بلغاريا. فستنظم التعديلات إنشاء "نقاط ساخنة" للمهاجرين الذين يخضعون لإرجاعهم إلى بلد المنشأ أو البلد الذي دخلوا منه الأراضي البلغارية. وذلك إضافة إلى إجراء "الإسكان القصير الأمد" في دار خاص للأجانب، حيث سيتم التحديد الأولي لهويات طالبي اللجوء وتقييم الإجراءات الإدارية التالية. ومما يدعو إلى اتخاذ مثل هذه الإجراءات هو بعض المعطيات المقلقة التي ظهرت في الآونة الأخيرة. فمنذ مطلع عام 2015 تم التحقيق من 18 ألف مهاجر غير قانوني، لقي 600 منهم رفض الإقامة لما يحملونه من خطر محتمل على الأمن القومي. وللسبب ذاته تم ترحيل 56 أجنبيا من الأجانب المقيمين في البلاد إلى الخارج بعد نزع حق الإقامة عنهم أو حق دخول البلاد. إلا أن تشديد الرقابة الحدودية لا يخص المهاجرين العاديين فحسب، وإنما أفراد عائلات الديبلوماسيين الأجانب أيضا، إلى جانب إعداد تقييدات تجاه الأجانب الذين تزوجوا من بلغار خارج البلاد ويريدون زيارتها أو الاستقرار بها. كما أنه من المتوقع زيادة متطلبات الحصول على الإقامة الطويلة الأمد بالنسبة للأشخاص الذين يعملون في مجال ريادة الاعمال أو يمثلون شركات أجنبية في بلغاريا.
هذا وبالمقارنة مع النظام المعمول به حتى الآن فتوصف الإجراءات المخطط لها على أنها صارمة ولكن ضرورية، حيث إنها لا تخص بلغاريا بامتياز، كونها بلد عبور وليس مستقر معظم المهاجرين، وإنما تأتي في ظل الرغبة السائدة حاليا في أوروبا في القطيعة مع النموذج اللبرالي المعمول به إلى وقت قريب لقبول المهاجرين والذي أسفر عن سوء استعمال مفهومي اللاجئ وحق الحماية وغيرهما. وعلى كل حال، فإن ما تبذله الدولة البلغارية من جهود في سبيل ترتيب الفوضى السائدة في عمليات الهجرة، يحظى بتأييد المجتمع البلغاري.
إلا أن هذا التأييد ممكن في حال تبدي الدولة نية جادة في تدبير صفوفها. فقد أمرت وزارة الداخلية بإجراء تحقيق فيما يخص مقطع الفيديو الذي ظهر مؤخرا في الإنترنت وفيه أفراد من شرطة الحدود يساعدون مجموعة من الناس في اختراق الحدود البلغارية بشكل غير قانوني. وقد اعترفت الوزارة بأن اليوم الذي صور فيه المقطع، تم فيه توقيف مجموعة متكونة من 60 مهاجرا غير شرعي على الحدود بين بلغاريا وتركيا. فمن المهم إلقاء الضوء على هذا الحادث.
كما المشاورات السياسية، التي عقدها رئيس الجمهورية بشكل منفصل مع القوى البرلمانية في اتصال مع استقالة الحكومة، حددت جلسة أمس للمجلس الاستشاري للأمن الوطني أيضا فرضيات فقط، ولكن لا حل ملموس للأزمة السياسية. حتى يتم التوصل إلى قرار بعد تنفيذ الإجراء..
بعد المشاورات السياسية التي عقدها الرئيس مع القوى البرلمانية قبل الشروع في التزامه الدستوري لولايات جائزة لتشكيل الحكومة في إطار هذا البرلمان، والتوقعات لتشكيل حكومة جديدة في تكوين البرلمان الحالي وهمية. فقد وقف ضد الإعلان عن تشكيل هذه الحكومة ليس فقط..
ذكّرت زيارة عمل الرئيس المقدوني غورغي إيفانوف في بلغاريا في هذه الأيام بالعلاقات الوثيقة بين البلدين ولكن أيضا بالمشاكل بينهما. أكاديمية العلوم البلغارية كرمت الضيف بلقب "دكتوراه فخرية" لمساهماته في العلوم القانونية والتعليم والثقافة والحياة العامة...