"سارق الخوخ" و"أسطورة سيبين، الأمير من بريسلاف"، "مسيح الدجال" و"ملكة تارنوفو". يسحر الأبطال والقصص من هذه الكتب قراءها منذ عقود، حيث ينقلونهم بمكينة الزمن والتخيل التي صممها الكاتب إيميليان ستانيف. "الحقيقة؟ احفظوها لأنفسكم ما طالما عرفتموها ولي اتركوا الخيال"، هكذا قال المؤلف في نهاية طريقه الأدبي، رافعا الستار على عمليته الإبداعية. فلنستمع إلى ماهية الظروف، حيث نشأ وأنشأ نفسه كمبدع:
"عند أسوء الظروف وبدون أية عوامل أدبية ومربية. في البلدة الصغيرة، حيث قضيت شيبوبتي، كان يُنظر إلى محاولاتي ككاتب بسخرية. وهذه الظروف بالتحديد هي تلك التي كانت في الحقيقة ممتعة، بل كانت امتحانا لموهبتي وللموهبة كي تبدع، تحتاج أولا إلى مقاومة."
هذا تسجيل من الصندوق الذهبي للإذاعة الوطنية البلغارية لإيميليان ستانيف، أحد أكبر الكتاب البلغار خلال النصف الثاني للقرن الـ20، المعترف به كمبدع عالمي وأوروبي كبير على أساس العنصر البلغاري المميز والوطني في عمله. وألف رواياته التاريخية ليس بمثابة شخص يصف التاريخ البلغاري وإنما كفيلسوف، بحثا عن أجوبة: لماذا حدثت الأمور هكذا ولماذا وقع هذا؟ "بلغاريا بلد تهب الرياح فيه في اتجاه الشمالي نحو الغرب، حيث تنزع كل ما هو مميز لها". هنا إحدى أفكارها نحو الإله والإلهية: "كم هي بسيطة الفكرة بشأن الله! ويبدو وكأنها ظهرت، ناجمة من حاجة الإنسان إلى تصوره العالم كموحدا ومبسطا بواسطة قدرة وإرادة قوة عليا . ومن تلك الحاجة بالتحديد نشأت الدولة كذلك."
وُلد في فيليكو تارنوفو في 1907 وقضى طفولته في العاصمة السابقة، حيث تعيش الأساطير في شوارعها وأزقتها الحجرية. تخرج من الثانوية ودرس لفترة لا بأس بها رسم الطبيعة في صف البرفسور تسينو تودوروف. ومع أنه نال في 1971 جائزة "إيفان فازوف" لروايته "مسيح الدجال" وجائزة "يوردان يوفكوف" في 1975 لعمله الإبداعي الكامل، إلا أنه لا ينسجم مع طبقة "النخبة المثقفة الموالية للسلطة" في العقود الشيوعية. هنا وصف الكاتب لبعثته كمبدع:
"بعثة الكاتب في رأي كان دائما في إيقاظ العنصر الإلهي وليس ذلك الحيواني داخل الإنسان وأن توحي له المعنى والإيمان وإملاء له الحب والجمال وتطويره ليصبح الإنسان إنسانا ومزودا بروح مناضلة وأن ترسخ فيه الثقة والإيمان بيوم غد وأن يستمتع الإنسان بالحياة. الكتاب الجميل يؤتي الفرح والمرح في نفس الإنسان وينشئ الشعور بالسعادة. بدون الإيمان والإنسانية والجمال والروح المناضلة لا يمكن الإنسان أن يتطور."
في إحدى مقابلته قال يوردان راديتشكوف بشأن صديقه ستانيف أنه كان يتكرر دائما جملة: "عندما يجمع الإنس ذكريات، هو يجمع في الحقيقة حياة. وأجمل أن يجمع الإنس ذكريات من جمعه مالا."
في هذه الحلقة لزاويتنا "80 عاما في 80 أسبوعا" تذكرنا بالكاتب إيميليان ستانيف، الذي انتقل إلى الرفيق الأعلى في 1979.
بلغاريا الأخرى، هكذا نسمي هؤلاء البلغار المضطرين لمغادرة الوطن بعد الانقلاب الموالي للأيديولوجية السوفياتية في 9 أيلول 1944. ومع أنهم عائشون في الخارج إلا أنهم لا يزالون ينحنون أمام صورة الوطن ويحبون ماضيه المجيد وحاضره المأساوي ومستقبله المجهول...
قال جوزيبي فيردي في رسالة له: "لا تعلّموا المغني الغناء فإن كان على ظهره الشيطان فهو يعلم ذلك". وكأنما كان المؤلف الموسيقي العظيم يقصد بقوله غينا ديميتروفا وهي النجمة البلغارية للأوبرا التي استولت على المسارح العالمية بموسيقاه. وإذا رأى المرء..
"لم أكن أحصل إلا على علامات ضعيفة في اللغة البلغارية والأدب وذلك لأنني كنت عاجزا عن جمع التمهيد والنص الأساسي والاستنتاج في نفس الإنشاء الأدبي إذ أبدأه كما أشاء وأنهيه كما أشاء." هذا ما قاله الكاتب يوردان راديتشكوف الذي يعتقد بأن الكلام واللغة..